سجل في القائمة البريدية

Edit Template

مسئولية الغرب الأخلاقية عن مأساة الفلسطينيين

جميل عبد النبي

سأنقل فيما يلي نصا لوينستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق: “إنني لا أعتقد أن كلباً في مذود يستطيع الادعاء بأن له حقاً نهائياً في مذوده، مهما طالت إقامته فيه، إنني لا أعترف له بذلك الحق، إنني لا أعترف مثلاً بأن ما أصاب الهنود الحمر في أمريكيا، أو الشعب الأسود في استراليا خطأ فاحش، إنني لا أعترف أن ما أصابهم كان سوءّ لمجرد أن جنساً أقوى، جنساً أعلى، أو لنقل جنساً أكثر حكمة قد حل محلهم”.

وفق هذا المنطق غير الأخلاقي، وغير الإنساني، قررت بريطانيا العظمى في حينه اعتبار الشعوب الأقل تحضراً مجرد كلاب، وأوطانهم ليست أكثر من مجرد مذود، لا حق لهم فيها، وليست لهم، وأن من حق الشعوب الأكثر تحضراً أن تقتلعهم، وأن تسحقهم إن استطاعت، لتأخذ أرضهم، حرفياً كما حصل في كل من أمريكيا، واستراليا، ثم في فلسطين، ففي أمريكيا مثلاً تجاوز أعداد القتلى من السكان الأصليين، الذين أُطلق عليهم اسم” الهنود الحمر” تسعين مليون ضحية، معظمهم لم يموتوا في مواجهات عسكرية بين طرفين، أحدهما يملك أعتى الأسلحة النارية، والآخر لا يملك سوى أظافره، وبعض الأدوات البدائية، إنما مات معظمهم عبر عمليات إبادة منظمة، سواء من خلال نشر الفيروسات التي لم يسبق لتلك الشعوب أن عرفتها، أو عبر صيادين أطلقتهم الشركات المتوحشة لاصطياد البشر، ومنحتهم مكافآت مالية على كل رأس يصطادونه، وحينما اشتكى الصيادون من صعوبة حمل الجثث لإثبات عدد ضحاياهم، اكتفت تلك الشركات بأن طلبت منهم انتزاع فروة رأس الضحايا، على أن تمنحهم ذات المكافأة عن كل فروة رأس!!!

لا تختلف المسألة كثيراً عما حدث للفلسطينيين في فلسطين، فلقد قررت بريطانيا العظمى اعتبارهم مجرد كلاب في مذود، لا يمتلكون الأرض التي سكنوها منذ آلاف السنين، حتى قبل أن تدب قدما إبراهيم عليه السلام تلك الأرض، وهذا ما تنص عليه التوراة ذاتها التي اعتُمدت بعض نصوصها كمرجعية لخلق دولة إسرائيل.

منحت بريطانيا نفسها الحق في أن تمنح اليهود أرض الفلسطينيين، فأصدرت في حينه ما صار يعرف ب ” وعد بلفور ” وكأنّ ملكية فلسطين تعود للبريطانيين، أو لأجدادهم، ثم أشرفت فيما بعد على عملية جلبهم من بلدانهم التي ولدوا فيها، وعاشوا فيها، وأسكنتهم فلسطين، ثم أشرفت على تسليحهم بأحدث الأسلحة، مستغلة في ذلك الوقت بساطة الفلسطينيين، وإن شئت تخلفهم الحضاري، فمنحت الأكثر تحضراً الحق في اقتلاع الأقل تحضراً، على اعتبار الأقل تحضراً مجرد كلاب في مذود، لا قيمة لوجودهم هنا لآلاف السنين، فهذا لا يجعلهم أصحاب حق في الزعم بأن الأرض التي خلقوا فيها، وعاشوا فيها منذ فجر التاريخ هي أرضهم، وتحت ناظر بريطانيا التي كانت تحكم المنطقة كقوة انتداب أُنشأت إسرائيل على أنقاض مئات القرى والمدن الفلسطينية التي تم تفريغها من أهلها بقوة السلاح، ما أدى إلى هجرة شعب كامل من أرضه وتشتته في بقاء الأرض، لا زالت مأساتهم حاضرة حتى يومنا هذا.

قد يقول قائل: إن ما تتحدث عنه يمثل حقبة استعمارية لم تعد موجودة، وأن الغرب ذاته لم يعد يفاخر بها، ولذا لا نستطيع تحميل الأجيال المعاصرة وزر تلك المرحلة.

وفي هذا الادعاء إصرار وتصميم على ذات الجريمة، خاصة بحق الفلسطينيين، حيث لا تزال ذات الدول التي أشرفت على إنشاء إسرائيل على أرض الفلسطينيين ترعى إسرائيل، وتقدم لها كل أشكال الدعم، حتى تحافظ لها على تفوقها العسكري، والاقتصادي، وحتى التكنولوجي، كما لا تزال ترفض أي إجراء حقيقي من شأنه أن يعيد ولو جزء يسير من الحقوق التاريخية للفلسطينيين.
لقد قبل الفلسطينيون من خلال ممثلهم الشرعي والرسمي ” منظمة التحرير ” بمستجدات الواقع الظالم الذي فُرض عليهم، ووافقوا على الاكتفاء بخمس فلسطين، لكن إسرائيل لا زالت ترفض الاعتراف لهم بهذا الخمس، ولا زالت تقضم ما استطاعت من الأرض، وتسعى بقوة النار، والتضييق الاقتصادي لطرد الفلسطينيين إلى خارج فلسطين، يحدث هذا أمام ذات الدول التي خلقت إسرائيل، وبدعم منها، ولذا فإن هذه الدول لم تتخلص بعد من إرثها الاستعماري المقيت، إنما استبدلت صورته بأشكال أكثر تحايلاً على القيم الحضارية المعاصرة.


للشعوب الأوروبية: سوف نثق بإنساية خطابكم المعاصر إن عملتم على تصحيح الخطيئة التاريخية بحق الفلسطينيين، من خلال الضغط على حكوماتكم لدعم حق الفلسطينيين على الأقل فيما قبلوه كأمر واقع، ولمنحهم حق تقرير مصير أنفسهم بأنفسهم، وإقامة دولتهم، ككل شعوب العالم، وإلا فنرجوكم لا تحدثونا عن حقوق الإنسان، والحيوان، والمساواة بين البشر، ببنما لا زال ملايين البشر الفلسطينيون محرومين من حقوقهم الآدمية بسبب فعلتكم القديمة، ودعمكم المعاصر لذات الجريمة الإنسانية التي اقترفتموها بحق الفلسطينيين.

Post Views410 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!