تغريد سعادة
يدفع الشعب الفلسطيني في غزة منذ قرابة العامين ثمن عملية السابع من أكتوبر التي قادتها حركة حماس. العملية التي روجت لها الحركة باعتبارها بداية التحرير واخلاء سجون الاحتلال الإسرائيلية من المعتقليين الفلسطينيين، انتهت إلى تدمير شبه كامل للقطاع، واستشهاد عشرات الآلاف من الشعب الفلسطيني وانعدام أبسط مقومات الحياة. ومع كل ما جرى ويجري، تبقى المفاجأة في استمرار حماس على نهج المكابرة، وكأنها لا ترى حجم الكارثة.
قبل ساعات، خرج محمود مرداوي، أحد قيادات حماس، في تصريحات أقرب إلى خطبة في مسجد، ليعتبر أن الشعب الفلسطيني كله حماس، مشيدا بعملية القدس الأخيرة، والتي يرجح أنها تمت بإيعاز من الحركة حتى وإن لم تعلن مسؤوليتها عنها، في محاولة جديدة لإشعال جبهة الضفة الغربية، ولو على حساب مزيد من الدماء.
حماس اليوم تتحرك في دائرة التخبط، لا لتقود مشروعا وطنيا، بل لإنقاذ نفسها من موت محتوم. تناور بدماء الشعب الفلسطيني بلا اكتراث، وتسوق فكرة أن النضال يقتضي التضحية بالآلاف، وكأن دم الفلسطينيين رصيد مفتوح في حسابها السياسي.
الشعارات المنمقة عن التحرير والمقاومة لم تعد تقنع أحدا، خصوصا في وقت تدك فيه آلة الحرب الصهيونية غزة بلا توقف، بينما تفقد الحركة الكثير من عتادها وقدرتها العسكرية وحتى حضورها الميداني. واعتمادها على حرب العصابات مؤشر على ضعفها وتراجعها، لا على قوتها كما تحاول أن توهم.
الورقة الوحيدة التي ما زالت بيد حماس هي ملف الرهائن، وهو ورقة ضعيفة لكنها تشكل طوق النجاة للحركة. عبرها تظن أنها قادرة على فرض شروطها والتأثير في رسم “اليوم التالي” للحرب، لكن المعطيات على الأرض تثبت عكس ذلك، حيث الحسم بيد قوات الاحتلال، والسيطرة المطلقة على مليوني فلسطيني باتت تمنح نتنياهو الكلمة الفصل.
ومع انسداد الأفق، يبقى السؤال: ماذا بعد؟ استمرار حماس في هذا النهج يعني أنها تؤجل مصيرها لا أكثر. لم يعد أمامها سوى خيارين، القبول بالتسوية المطروحة، وهو ما يجب عليها دون تردد او تفكير او تعديل، أو الذهاب إلى انتحار سياسي وعسكري يذبحها مع الشعب.
وبما أن المصير في الحالتين قاتم، فإن الخيار الأقل ضررا هو أن تسلم حماس الرهائن، لتغلق الباب أمام ذرائع نتنياهو لمواصلة هدم غزة وقتل المزيد من الأبرياء. حينها، ربما تحفظ لنفسها شيئا من المصداقية أمام قاعدتها.
غير أن سلوكها السابق وعقليتها الراسخة لا توحي بأنها ستقدم على ذلك. فالاستخفاف بدم الفلسطينيين لم يعد خطأً عارضا في مسار الحركة، بل عقيدة متجذرة تجيز لها كل شيء، حتى لو كان الثمن فناء الشعب بأكمله.
