تغريد سعادة
ما نراه اليوم في قطاع غزة ليس مجرد صراع عسكري، بل خطة ممنهجة لتحويل القطاع إلى مكان غير صالح للعيش. التأجيل المتعمد لـ«الحسم» من قبل الاحتلال الإسرائيلي، رغم قدرته على إنهاء العمليات بسرعة، يأتي لتبرير استمرار قتل الفلسطينيين وتدمير بنيتهم التحتية ومدنهم، وكأن الهدف تجاوز السيطرة العسكرية ليصل إلى تدمير الحياة نفسها.
التحليلات التي تصف المقاومة بأنها شرسة وصامدة هي في غالبها ساذجة أو مضللة. فبالرغم من الخسائر الفادحة التي تلحق بحماس، فإن السماح لها بالبقاء على قيد الحياة، حتى بشكل جزئي، يخدم مخطط نتنياهو السياسي والاستراتيجي. هذه الحسابات ليست وليدة اللحظة، بل جزء من استراتيجية طويلة لخلق حالة من التوتر الدائم في المنطقة، تظهر حماس وكأنها موجودة، بينما الواقع على الأرض يعكس مأساة إنسانية لا تحتمل.
من جانبها، تدرك حماس هذا الواقع جيدا، ولذلك تعتمد على ما تبقى لديها من ورقة الاسرى لتأمين بقاء جزئي، محاولة من خلاله لعب دور في المفاوضات، لكنها تعرف أيضا أن هذه اللعبة ليست سوى محاولة أخيرة للبقاء حتى لو على حساب الدم الفلسطيني.
لا يمكن وصف الوضع بأنه مقاومة صامدة فقط، فالحقائق على الأرض تشير إلى واقع مأساوي يتمثل بالقتل اليومي وتدمير ممنهج ومعاناة متصاعدة لا تقل خطورة عن أي هجوم عسكري مباشر. بينما يضرب الاحتلال بلا هوادة، تبقى حماس تراهن على أوراقها الأخيرة، في لعبة تحكم فيها حياة الفلسطينيين ويصبحون ضحايا مزدوجين، ضحايا الاحتلال وضحايا سوء إدارة حماس.
في النهاية، الحديث عن صمود حماس، دون النظر إلى حجم الخسائر الإنسانية والدمار الممنهج الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، يساهم في تضليل الرأي العام. الحقيقة المؤلمة أن ما يجري في غزة ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل سياسة تهدف إلى تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، والضغط على العالم لقبول واقع مأساوي لن يتوقف إلا بتغيير جذري في المعادلة السياسية واهمها تهجير الفلسطينيين بشكل طوعي من قطاع غزة. .
