سجل في القائمة البريدية

Edit Template

حماس والإخوان المسلمون: من شعار المقاومة إلى مشروع الحكم

تغريد سعادة

منذ لحظة تأسيسها أواخر ثمانينيات القرن الماضي، شكلت حركة حماس حالة جدلية في الساحة الفلسطينية. فهي انبثقت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت لعقود تركز على العمل الدعوي والاجتماعي، وتتجنب الانخراط المباشر في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي. ومع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، قررت الجماعة أن تؤسس ذراعا مقاومة مسلحة تحمل اسم “حماس”، لتدخل متأخرة إلى النضال الوطني، وتخلط المشهد الفلسطيني الذي كانت منظمة التحرير الفلسطينية تتصدره.

كشفت وثائق إسرائيلية وأقوال لمسؤولين سابقين أن الاحتلال الإسرائيلي ساهم في تعزيز نفوذ حماس في بداياتها. فقد اعتبرها في تلك المرحلة أداة لتقويض نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تحظى بالدعم الدولي الأوسع. الاحتلال سمح بأنشطة جمعيات إسلامية في غزة والضفة، واعتقد أن تعزيز “التيار الإسلامي” سيضعف “التيار الوطني” الذي تمثله منظمة التحرير. لكن ما لم يدركه الاحتلال هو أن الحركة الجديدة لم تكن مجرد جمعية دعوية، بل مشروع سياسي يسعى إلى الإمساك بزمام السلطة.

منذ البداية، روجت حماس لنفسها كحركة مقاومة، لكنها في الواقع وضعت هدف الحكم في صميم مشروعها. هذه السمة ليست غريبة، بل هي متأصلة في فكر الإخوان المسلمين الذين يرفعون شعار “الإسلام هو الحل”، ويعتبرون الحكم وسيلتهم الأساسية لبسط رؤيتهم. التجارب الحديثة للإخوان في مصر خلال حكم محمد مرسي وتجربة تونس ثبت ذلك ايضا. فبمجرد وصولهم إلى السلطة، كان همهم الأساسي التمكين السياسي وبسط النفوذ، لا تحقيق شعارات الثورة أو مطالب الجماهير.

وبالمثل، تحولت غزة منذ سيطرة حماس عليها عام 2007 إلى ساحة حكم بقبضة حديدية، حيث تركزت السلطة بيد الحركة، وغابت أي إمكانية للنقد أو المعارضة تحت تهديد الاتهام بـ”العمالة”.

لم تقتصر طموحات حماس على الداخل الفلسطيني، بل امتدت إلى محيطها العربي، ما جعلها جزءا من شبكة الإخوان المسلمين العابرة للحدود.

في الأردن، حاولت الحركة التأثير في الداخل، مستندة إلى نفوذ الإخوان هناك، وهو ما دفع السلطات الأردنية غير مرة إلى تقييد نشاطها.

وفي مصر، شهدت العلاقة تحولات جذرية؛ فبينما تمتعت حماس بدعم حكم الإخوان زمن مرسي، انقلبت العلاقة بعد 2013 مع النظام الجديد الذي اتهمها بالتورط في تهديد الأمن القومي ودعم الإرهاب في سيناء.

في سوريا، تحالفت حماس طويلا مع النظام السوري السابق – نظام بشار الاسد، ثم انقلبت عليه مع اندلاع الاحداث، وانحازت إلى معسكر المعارضة المدعوم من قطر وتركيا، داعمتا مشروع الاخوان المسلمين في المنطقة وبرعاية امريكية. هذا الموقف أدى إلى قطيعة طويلة مع دمشق وحزب الله وإيران، قبل أن تحاول لاحقا إعادة العلاقات تحت ضغط الحاجة المالية والعسكرية.

منذ 18 عاما تقريبا، تحكم حماس قطاع غزة بالقوة، من دون تداول حقيقي للسلطة أو انتخابات شاملة. الإعلام التابع لها، إضافة إلى أدوات إعلام الإخوان مثل قناة الجزيرة، عمل على تصويرها باعتبارها “الحركة المناضلة الوحيدة” في الساحة، مقابل تصوير السلطة الفلسطينية على أنها “عميلة”. بهذا الخطاب، احتكرت حماس سردية المقاومة، بينما جرى قمع أي صوت ناقد باعتباره خيانة وطنية.

لكن الواقع في غزة يكشف صورة مختلفة، تضييق على الحريات السياسية والإعلامية. وفساد في إدارة الموارد، مع استمرار معاناة الفلسطينيين في غزة تحت الحصار. بالاضافة الى انقسام فلسطيني عميق جعل القضية الوطنية في أضعف حالاتها.

المفتاح الذي اعتمدته حماس هو المعادلة البسيطة، أي انتقاد لها هو خيانة وعمالة. بهذه الصيغة استطاعت أن تحصن نفسها من النقد الداخلي، وأن تضع نفسها فوق المساءلة الوطنية. لكن هذه اللعبة لم تعد تقنع كثيرا من الفلسطينيين والعرب، خصوصا بعد تجارب الإسلاميين في دول أخرى، حيث اتضح أن شعار “الإسلام هو الحل” ينتهي عادة إلى حكم سلطوي وفشل اقتصادي وسياسي.

اليوم، وبعد مرور ما يقارب العقدين على سيطرتها على غزة، تبدو حماس في مأزق تاريخي. فهي لم تحقق التحرير الذي وعدت به، ولم تنجح في تقديم نموذج حكم صالح، بل زادت الانقسام وأضعفت الموقف الفلسطيني أمام الاحتلال. والأخطر أن استمرار اختزال النضال الفلسطيني في حركة واحدة ذات مشروع أيديولوجي، قد يعيد إنتاج الفشل الذي شهدته بلدان عربية أخرى مع الإخوان.

إن استعادة القضية الفلسطينية لمسارها الحقيقي يتطلب تجاوز “أسطورة حماس” كحركة مقدسة لا تمس، والانفتاح على نقدها بجرأة، باعتبار ذلك جزءا من النضال نفسه، لا خيانة له. فالمعركة الحقيقية هي مع الاحتلال، لا مع المجتمع الفلسطيني نفسه، ولا مع شعوب المنطقة.

Post Views28 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!