تغريد سعادة
منذ عملية السابع من أكتوبر، تعيش حركة حماس حالة يمكن وصفها بـ الأزمة الوجودية. فقد بدت تلك العملية في بدايتها وكأنها أكبر إنجاز عسكري للحركة منذ تأسيسها، إذ اخترقت الحدود، وأوقعت خسائر واسعة في صفوف جيش الاحتلال والمستوطنين، وأثبتت أن غزة قادرة على قلب الطاولة. لكن سرعان ما انقلب المشهد رأسا على عقب، وتحولت العملية إلى نقطة مفصلية جعلت إسرائيل الفاعل الأبرز وربما الوحيد في ساحة الصراع.
وقد استثمرت إسرائيل الحدث لتشن أوسع عملية عسكرية في غزة، مبررة الحصار الخانق الذي تستمر في فرضه على القطاع، ومواصلة القصف واحدثت تغييرات جغرافية وديموغرافية قد تغير مستقبل القطاع لعقود.
أمام هذا الواقع، تراجعت حماس من موقع المبادر إلى موقع المتلقي للضربات، مكتفية ببيانات وتهديدات إعلامية، من دون أن تنجح في فرض شروط سياسية أو عسكرية حقيقية.
أحدث مثال على ذلك كان البيان الذي أصدرته كتائب القسام مؤخرا، حين أعلنت انقطاع التواصل مع الأسيرين الإسرائيليين عمري ميران ومتان إنغرست نتيجة ما وصفته بالعمليات “الهمجية” لجيش الاحتلال في حيي الصبرة وتل الهوى بمدينة غزة. وفي محاولة لاستعادة المبادرة، شددت الكتائب على أن حياة الأسيرين في خطر، وطالبت الاحتلال بالتراجع الفوري إلى جنوب شارع 8 ووقف الطلعات الجوية لمدة 24 ساعة بدءا من الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، حتى يتمكن عناصرها من محاولة إخراجهما.
لكن هذا البيان، بكل ما حمله من لغة تهديد وضغط، قوبل بالتجاهل التام من جانب إسرائيل. لم يصدر رد رسمي، ولم تبد القيادة العسكرية الاسرائيلية أي استعداد للاستجابة للمطلب، بل مضت في عملياتها الجوية والبرية بنفس الوتيرة. وهو ما يعكس تراجع قيمة ورقة الأسرى التي لطالما اعتبرتها حماس إحدى أقوى أدواتها الاستراتيجية.
واليوم تتحكم إسرائيل في وتيرة الحرب، وفي مسارات التهدئة، وفي شروط أي تفاوض محتمل. بمعنى آخر، باتت هي الفاعل الأكبر وربما الوحيد، بينما انزوت حماس إلى الهامش، مهما حاولت ان تظهر ان التفاوض معها وان الاسرى الاسرائيليين بحوزتها، وان الامر كله في غزة موكول لها حتى لو على حساب الدم الفلسطيني الذي ينزف بسبب عمليتها.
وعلى ما يبدو فان السابع من أكتوبر منح إسرائيل الذريعة لتدمير البنية التحتية في غزة، وإعادة إحكام قبضتها على القطاع. بهذا المعنى، أدت العملية وظيفة تاريخية لمرة واحدة، كان المستفيد الأكبر منها الاحتلال، لا الحركة.
اليوم، تبدو حماس أمام مفترق خطير، فهي لم تعد قادرة على تقديم نموذج “المقاومة المنتصرة” الذي روجت له لسنوات، ولا على إدارة القطاع كما كانت تفعل قبل الحرب. ومع تراجع ثقة جزء من الشارع الفلسطيني بها، وغياب أي أفق سياسي يتيح لها ترجمة تضحياتها إلى مكاسب ملموسة، يزداد الحديث عن إفلاسها السياسي والعسكري، وعن تحولها إلى مجرد لاعب ثانوي في صراع تتحكم به إسرائيل بالكامل.
