سجل في القائمة البريدية

Edit Template

”الروس في الحرب“ فيلم يخترق الرواية السائدة في كندا حول حرب موسكو مع اوكرانيا 

تغريد سعادة

في خضم الجدل الكبير الدي احدثه عرض فيلم ”الروس في الحرب“  للمخرجة الروسية الكندية أنستازيا تروفيموفا عند عرضه الاول في مهرجان تورونتو السينمائي في سبتمبر 2024، فإن الفيلم أحدث اختراقا لافتا للرواية السائدة حول الحرب بين أوكرانيا وروسيا في كندا. فالحكومة الكندية التي تقدم دعما لوجستيا وماديا ومعنويا لأوكرانيا، سخرت إعلامها لتصويرها كطرف معتدى عليه من قبل “روسيا الفاشية”. أما عالم المهرجانات السينمائية الدولية الكبرى، فقد اعتاد منذ بداية الحرب عام 2022 على استضافة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الافتتاحيات الرسمية، كما حدث في مهرجان كان وبرلين والبندقية. لكن هذه المرة جاء مهرجان تورونتو ليعرض فيلما عن الجنود الروس في الخطوط الأمامية، مشاعرهم وانفعالاتهم وموقفهم من الحرب التي يرونها غير مجدية، بل وحتى تفاصيل حياتهم العاطفية.

مهرجان تورونتو اضطر إلى إلغاء العرض الرسمي للفيلم في سابقة تعد الأولى من نوعها بسبب التهديدات والاحتجاجات التي قادتها الجالية الأوكرانية في المدينة، لكنه عاد بعد انتهاء فعالياته بأيام قليلة لينظم عرضين خاصين، مؤكدا دعمه للعمل رغم موجة الغضب والانتقادات التي طالته.

في ساعتين وثماني دقائق، يقدم الفيلم صورة الحرب من وجهة نظر الجنود الروس. ورغم أن الملخص المنشور على موقع مهرجان تورونتو يشير إلى “خيبة أمل الجنود الروس من الحرب حين يدركون أن ما سمعوه في وسائل الإعلام الروسية كاذب، وأنهم يقاتلون فقط من أجل البقاء”، إلا أن الأحداث التي تنسجها الكاميرا تتجاوز ذلك بكثير. ويبدو أن صناع الفيلم اختصروا الملخص كمحاولة لتخفيف رد فعل الشارع الغربي المتعاطف مع أوكرانيا.

يظهر الجنود الروس في الفيلم مؤمنين بأنهم الجيش الثاني الأقوى في العالم، ويظهرون كوطنيين يقاتل بجانبهم الأوكراني الذي انضم إلى الجيش الروسي. تنتقل الكاميرا إلى قرية أوكرانية سيطر عليها الجيش الروسي، ومنها إلى جمهورية لوغانسك الشعبية التي بدا أن كثيرا من سكانها يساندون الروس. في هذه المشاهد تظهر امرأة مسنة قررت البقاء لأنها تحب الروس، مقتنعة أن الجيش الأوكراني سيقتلها إذا عاد للسيطرة، ويظهر الجنود الروس وهم يضعون لها الطعام والمؤونة أمام منزلها. كما يظهر أحد الجنود وهو يعتني بقطته وسط المعارك.

يرفرف العلم الروسي في أكثر من مشهد، ويظهر الرئيس فلاديمير بوتين على شاشة التلفزيون يشكر “الأصدقاء ودعمهم لروسيا من أجل حماية ثقافتهم المثالية ومصالحهم الوطنية”. الجنود ينفون ارتكابهم مجازر حرب ويؤكدون على مسمى “الإمبراطورية الروسية”. أحدهم يطلق النار على شعار نازي مرسوم على أحد الجدران، في إشارة إلى هدفه من المشاركة في الحرب. آخر يتحدث عن الحرب الأهلية في أوكرانيا، فيما يظهر فيديو لمقتل جندي روسي أعزل على يد الأوكرانيين.

الفيلم لا يغفل الجانب الإنساني، إذ يظهر الجنود في حالات إرهاق شديدة وهم يدخنون ويشربون الكحول وسط أجواء المعارك، قبل أن يختتم بقصة حب بين مسعفة وجندي على الجبهة تنتهي بعرض زواج وإعلان عن حملها. كل ذلك صور بمشاهد بصرية مبهرة رغم قتامة الحرب، مستخدما تقنيات تصوير الطائرات المسيرة.

لكن الجدل لم يتوقف. فخارج قاعات العرض في تورونتو قادت الجالية الأوكرانية مظاهرات منددة بالفيلم، بينما خرجت نائبة رئيس الوزراء الكندي ووزيرة المالية حينها كريستيا فريلاند، ذات الأصول الأوكرانية، لتعارض الفيلم بشدة وتؤكد أن روسيا تنتهك القوانين الدولية وأنه لا يوجد “تكافؤ أخلاقي” بين الطرفين. وقال مكتبها إن القضية ليست في إنتاج الفيلم أو مشاهدته، بل في تمويله من أموال عامة كندية، مشيرا إلى أن الفيلم يعرض مشاهد تقلل من شأن جرائم حرب مثبتة دوليا وتربط أوكرانيا بالنازية.

الفيلم، وهو إنتاج كندي فرنسي مشترك، حصل على نحو 340 ألف دولار من صندوق الإعلام الكندي بالتعاون مع TVOntario. غير أن قناة TVO أعلنت لاحقا أنها لن تدعمه ولن تبثه كما كان مخططا. القنصل العام لأوكرانيا في تورونتو أوليه نيكولينكو نشر بيانا مطولا استنكر فيه عرض الفيلم، فيما تساءلت السناتور دونا داسكو في مجلس الشيوخ الكندي عن سبب منح تمويل حكومي بهذا الحجم لمشروع مثير للجدل.

الانتقادات لم تقتصر على الجانب السياسي، بل تناولت أيضا المخرجة تروفيموفا نفسها، التي عملت سنوات مع قناة “روسيا اليوم الوثائقية”. وقد تساءل البعض عن كيفية بقائها مع الجنود الروس في الخطوط الأمامية لسبعة أشهر رغم رفض القائد الجديد للوحدة وجودها معهم في البداية.

في المقابل، تلقت المخرجة دعما من جهات كندية، إذ اعتبرت منظمة الصحافيين الكنديين من أجل حرية التعبير أن تراجع TVO عن دعم الفيلم يثير تساؤلات حول استقلاليتها. كما أصدرت منظمة الفيلم الوثائقي في كندا (DOC) بيانا دعمت فيه الفيلم باعتباره مناهضاً للحرب.

الإعلام الكندي فتح أبوابه لتروفيموفا كي تدافع عن عملها. مجلة “POV” المتخصصة بالوثائقيات نشرت مقابلة معها شددت فيها على أن الفيلم يقدم صورة مناهضة للحرب، ويروي الفوضى داخل الجيش الروسي وخيبة أمل الجنود. وأكدت المجلة أنها تقف بوضوح مع أوكرانيا. أما تروفيموفا نفسها فقد أوضحت في أكثر من لقاء، منها مع إذاعة CBS الكندية، أن “نيتها لم تكن أن تصبح جزءا من أي حرب، بل أن تكون شاهدة على واقع مرير”، نافية الاتهامات بأن الفيلم دعاية روسية، ومؤكدة أنه صور دون إذن من السلطات الروسية، ما قد يعرضها شخصيا لملاحقة قانونية.

غير أن بعض النقاد ظلوا متحفظين. فقد رأى رئيس مكتب مجلة “هوليوود ريبورتر”، إيتان فليسينج، أن تروفيموفا نجحت في إضفاء الطابع الإنساني على الجنود الروس، لكنها لم تطرح أسئلة قوية حول جرائم الحرب، معتبرا أن المشكلة تكمن في “طرحها المخفف” لمشاعر الجنود، إضافة إلى غياب تفسير مقنع لكيفية بقائها معهم طوال تلك الفترة في شرق أوكرانيا.

يبقى الفيلم محاولة لإظهار جانب من الواقع في وقت تعلو فيه أصوات في الغرب تطالب بوقف الحرب والتأكيد على عبثيتها. وبين من يصفه بأنه دعاية للجيش الروسي ومن يراه عملا مناهضا للحرب، يبدو أن قيمة الفيلم تكمن أساسا في كونه قدم نقيضا للرواية السائدة في كندا. وربما لا يبدو استثنائيا للمتابع الدائم لوسائل مثل “روسيا اليوم” و”سبوتنيك”، لكنه يظل عملا فنيا جديرا بالمشاهدة.

Post Views73 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!