تغريد سعادة
تابعت مسيرة أسطول الصمود البحري عبر الإعلام العربي والعبري، وكنت مدركة منذ البداية لمصيره. فالنتيجة كانت معروفة لمن يتابع ما يصدر عن الإعلام العبري خطوة بخطوة. ورغم أنني أعددت تقريرا حول نهايته، إلا أنني توقفت عن نشره بعدما رأيت سيلا من الأماني والآمال على صفحات التواصل الاجتماعي. لم أجد تقارير تلمح إلى النهاية المحتومة، ربما كان هناك قرار ضمني بترك نافذة أمل، عسى أن تكون هذه المرة مختلفة.
لكن الاحتلال أعاد المشهد المألوف، حين خطف فرحة المحاصرين في غزة كما اعتاد أن يخطف آمالهم عبر السنوات الماضية. أحد عشر أسطولا ومحاولات كلها انتهت جميعها باعتقال السفن و احتجازها و منعها من الوصول، لتتحول من مبادرات عملية إلى لحظات رمزية يتكرر فيها الخذلان الجمعي لكسر الحصار وشحن طاقات النضال ضد الاحتلال.
إن قراءة هذا التسلسل تكشف أن المحاولات، رغم تكرارها، لم تحقق هدفها العملي بكسر الحصار. فإسرائيل ما زالت تحتفظ بتفوق مطلق في البحر، وقدرة كاملة على المراقبة والاعتراض. وقوة سياسة تفرض الامر الواقع ولا يتعدى موقف دول العالم الا التنديد بالحصار. غير أن القيمة الفعلية لهذه الأساطيل لم تكن في كسر الحصار الظالم على اهالي القطاع، بل في إحداث موجة إعلامية وسياسية كسرت الصمت الدولي وسلطت الضوء على مأساة غزة، وأحرجت إسرائيل أمام الرأي العام العالمي.
هذه المبادرات كشفت أيضا عن حالة تناقض سياسي غفل العالم عن فكه. فالعالم رأى أن الحصار يعاقب شعبا كاملا بسبب سيطرة حركة حماس على القطاع. وعلى مدى سنوات الحصار، تلقت حركة حماس دعما ماليا خارجيا، خصوصا من قطر، ضامنا لبقائها، بينما ظل سكان غزة وحدهم يدفعون الثمن. لقد كانت معادلة قاسية، حصار يطبق على القطاع، لكن دون أن يطاول فعليا من يحكمه. السياسة هنا بدت محملة بالتناقضات والظلم في آن واحد. الظلم الذي طال الشعب الفلسطيني في غزة بسبب حكم حماس.
ومع تغير المشهد الميداني واحتمالات إنهاء حكم حماس في غزة، يبدو أن معادلة الحصار مقبلة على تحول جذري. فإذا سقط الغطاء السياسي الذي أبقى الحصار قائما، قد تتلاشى مبرراته تدريجيا مع أي اتفاق لوقف إطلاق النار.
إن أسطول الصمود لم يكن مجرد محاولة بحرية جديدة، بل حلقة في سلسلة من الـ 11 مبادرة لم تكسر الحصار، لكنها كشفت حقيقة الاحتلال وفضحت التناقض السياسي الذي يخدم الاحتلال بكل تجلياته. وفي الوقت الذي تلقت فيه حركة حماس دعما من الخارج، ظل الشعب الفلسطيني في غزة محاصرا يتحمل تبعات الحصار اليومية بسبب حكم حماس، كما دفع الثمن الأكبر لأحداث السابع من أكتوبر التي نفذتها الحركة. ومع تبدل معادلة غزة واحتمال غياب حماس عن المشهد، لم يعد رفع الحصار مجرد مطلب شعبي أو مبادرة رمزية، بل خيار سياسي واقعي سيفرض نفسه على الطاولة الدولية قريبا.
