تغريد سعادة
تنطلق في العاصمة الأردنية عمّان يوم الجمعة الموافق 24 تشرين الأول/أكتوبر 2025 أعمال “المؤتمر الأول للعرب المسيحيين: الجذور والأدوار والمسار النهضوي”، الذي تنظمه جمعية الثقافة والتعليم الأرثوذكسية بالتعاون مع مبادرة “عروبة”، في المركز الثقافي الرياضي في الشميساني، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والمفكرين والباحثين من الأردن ولبنان وفلسطين وسوريا ومصر والعراق وروسيا وكندا واوروبا.
يهدف المؤتمر، الممتد على مدار يومين، إلى إبراز الدور التاريخي والحضاري للعرب المسيحيين في تكوين الثقافة العربية ومساهماتهم في النهضتين العربيتين الأولى والثانية، إلى جانب مناقشة التحديات الراهنة التي تواجه الوجود المسيحي العربي في المنطقة.
ويفتتح المؤتمر بجلسة أولى تحمل عنوان “العرب المسيحيون قبل الإسلام ودورهم في تكوين الحضارة العربية”، يرأسها الدكتور فوزي طعيمة الداوود، وتتناول أوراقها موضوعات مثل المسيحية الأولى في الأردن من منظور أثري، ودور مسيحيي الجزيرة العربية في فجر التاريخ العربي، وبدايات الأدب العربي المسيحي، إضافة إلى الترجمات العربية للأناجيل ودلالاتها الحضارية.
أما اليوم الثاني فيتناول مساهمات العرب المسيحيين في النهضة العربية الحديثة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بمشاركة باحثين من الأردن ومصر وروسيا، يناقشون شخصيات رواد النهضة مثل خليل غانم وعبد الله مَراش، ودور الأقباط في ثورة 1919، وتطور الهوية العربية في العالم الأرثوذكسي، فضلا عن مناقشة التحديات المعاصرة التي تواجه الوجود المسيحي في المنطقة، مثل قضايا الهوية والمواطنة والهجرة، ومكانة المرأة العربية المسيحية، والفكر النهضوي لدى المفكرين العرب المسيحيين المعاصرين، وصورة المسيحي العربي في الإعلام الحديث.
ويختتم المؤتمر بجلسة عامة تتضمن توصيات ختامية تهدف إلى تعزيز الحوار العربي المسيحي – الإسلامي، وترسيخ مفهوم دولة المواطنة والتنوير الثقافي، إلى جانب الدعوة إلى توثيق الإرث المسيحي العربي في التاريخ واللغة والأدب.
وقال امين سر جمعية الثقافة والتعليم الأرثوذكسية، و مؤسس في مبادرة عروبة، إميل الغوري، أن المؤتمر سيفتتح يوم الجمعة بجلسة واحدة، في حين يشهد اليوم الثاني السبت 25 تشرين الأول ثلاث جلسات مكثفة تبدأ من الساعة التاسعة صباحا حتى السابعة مساء.
وأشار الغوري في تصريحات خاصة لـ “زيتون نيوز” إلى أن المؤتمر تنظمه جمعية الثقافة والتعليم الأرثوذكسية، وهي مؤسسة أردنية عريقة خيرية وغير ربحية تأسست في الخمسينيات، أي منذ نحو سبعين عاما، وتعنى بنشر الثقافة والتعليم، وتدير عددا من المدارس الوطنية الأرثوذكسية المرموقة في الأردن. وأكد أن الجمعية، “تضع تركيزا كبيرا في هذا المؤتمر على التحديات الوجودية للعرب المسيحيين في المشرق العربي، خصوصا في ظل محاولات تفريغ المنطقة من مكونها العربي الأصيل”.
وقال الغوري، “نحن نعيش وضعا خطيرا يتمثل في مؤامرة تهدف إلى تهميش الوجود العربي المسيحي وتحويل الصراع العربي إلى صراع ديني، وهذا ما نرفضه تماما. في المقابل، هناك حملة تسعى لربط المسيحية بالمشروع الصهيوني، لكننا نؤكد أن المسيحية في بلادنا سبقت الصهيونية تاريخيا، وكانت موجودة في فلسطين قبل الاحتلال بزمن طويل”.
واوضح أن بعض التيارات في الغرب “تحاول تقديم رؤية زائفة للمسيحية على أنها جزء من المشروع الصهيوني”، وهو ما وصفه بأنه “خرافة لاهوتية مرفوضة”، قائلا، “من غير الممكن أن يكون الإنسان مسيحيا حقيقيا وصهيونيا في الوقت نفسه، فالمسيحية المتصهينة تقوم على مفاهيم خرافية مثل فكرة شعب الله المختار وأرض الميعاد، وهي أفكار أبطلها نزول السيد المسيح الذي أكد أن لا تمييز بين البشر”.
وشدد الغوري على أن المؤتمر يأتي ردا ثقافيا وفكريا على هذه الأطروحات، مشيرا إلى أن جمعية الثقافة والتعليم الأرثوذكسية تنظم المؤتمر بالتعاون مع مبادرة “عروبة”، وهي مبادرة فكرية تعمل على مواجهة خرافة “المسيحية الصهيونية” وتوضيح الدور التاريخي والنضالي للعرب المسيحيين في المنطقة.
وبين الغوري أن الجمعية تضم في هيئتها الإدارية مجموعة من الشخصيات الفكرية والأكاديمية، وتستضيف في هذا المؤتمر نحو 12 باحثا وأستاذ جامعة من خارج الأردن، من بينهم مشاركون من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق ومصر وروسيا وكندا، إضافة إلى نحو 14 أو 15 باحثا أردنيا من أصحاب أوراق بحثية علمية.
وقال الغوري إن المؤتمر سيكون علميا بحتا، ويعتمد على الأوراق البحثية لا على الخطابات العامة، مضيفا،”سنتحدث عن شخصيات عربية مسيحية مهمة قبل الإسلام وبعده، وعن أدوارها الفكرية والسياسية في التاريخ العربي والإسلامي، وسنناقش أيضًا التحديات الراهنة مثل الفكر الإقصائي، وكيف يمكن للعرب المسيحيين أن يتعاملوا معه”.
وأكد أن المؤتمر يسعى إلى إبراز أن العرب المسيحيين جزء لا يتجزأ من الهوية العربية، وأن الهجرة والانكماش الديموغرافي لا يجب أن يحجبا حضورهم الثقافي والفكري. وأضاف،”نحن نريد أن نظهر أن العرب المسيحيين ليسوا أقلية مهمشة، بل شركاء أصيلون في بناء الحضارة العربية والإسلامية منذ فجر التاريخ”.
واختتم الغوري حديثه بالإشارة إلى أن المؤتمر سيكون النسخة الأولى من سلسلة مؤتمرات سنوية تهدف إلى ترسيخ الحضور العربي المسيحي فكريا وثقافيا، معربا عن امله في أن يصبح تقليدا سنويا يحتفي فيه بدور العرب المسيحيين في الماضي والحاضر والمستقبل.
42 Total Count
