تغريد سعادة
ما يجري في فلسطين ليس مجرد صراع محدد مع الاحتلال، بل هو لعبة معقدة تتداخل فيها السياسات المحلية مع الاستراتيجيات الإقليمية والدولية. هذا الواقع يفرض على الشعب الفلسطيني مواجهة ليس فقط الاحتلال الاسرائيلي العسكري، بل أيضا السيطرة الإعلامية والاستقطابات السياسية والتحكم في وعي الرأي العام.
إحدى القضايا التي أثارت جدلا واسعا وتساؤلات عميقة هي ما كشفته بعض الصحف العبرية عن تزوير أو توجيه استطلاعات الرأي في فلسطين. إذ أظهرت التحقيقات أن بعض المراكز الفلسطينية، التي يفترض بها تمثيل المجتمع الفلسطيني، غيرت من نتائجها لصالح حماس، مما يثير مخاوف من أن نتائج الاستطلاعات لا تعكس الواقع الشعبي بدقة، بل تستخدم أداة لتشكيل الوعي العام.
هذا التلاعب الممنهج يتيح رسم صورة سياسية موجهة، تعزيز بعض القوى أو الشخصيات على حساب أخرى، والتحكم في الرأي العام الفلسطيني بطريقة غير مباشرة، مما يجعل من الضروري التعامل بحذر مع كل ما يقدم لنا على أنه “استطلاع رأي”.
كما ان الاعتماد على الإعلام كأداة لتشكيل الرأي العام أصبح واضحا في العقدين الاخيرين. فتسليط الضوء على تنظيمات محددة كحماس لدعمها، ومهاجمة اخرى كحركة فتح، قد خلق صورة مشوهة عن الواقع.
كما أن الإعلام يسهم في تبسيط الأحداث وتقديمها ضمن سرديات محددة، بحيث يصبح من الصعب على المواطن العادي التمييز بين الواقع والتحليل الموجه. و تدار الأزمة وكأنها خطة محكمة لإخفاء الحقائق أو إعادة ترتيب النفوذ.
حماس ليست مجرد تنظيم مقاوم في مواجهة الاحتلال، بل هي جزء من مشروع سياسي إقليمي أوسع يرتبط بالإخوان المسلمين، والذي بدا للعيان منذ الربيع العربي. هذا المشروع يتلقى دعما مباشرا وغير مباشر من قوى إقليمية ودولية، بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل، التي ترى في بقاء التنظيم أداة لضبط الواقع الفلسطيني.
الدعم المالي المستمر من الاحتلال، رغم الحصار، يعكس أن حماس أداة ضمن هذا التوازن السياسي.
التنظيم يعرف جيدا موقعه ضمن المشروع الإقليمي، لكن الإعلام وإستطلاعات الرأي تعمل على تقديمه كحركة مقاومة خالصة، لتبرير استمرار سلطته في غزة.
التجربة السورية الجديدة تقدم نموذجا واضحا عن تأثير الدعم الخارجي في تثبيت أنظمة اسلامية غير شرعية شعبيا. النظام السوري الحالي استعاد السلطة بالدعم الخارجي، وليس عبر انتخابات حرة، مع سيطرة كاملة على الإعلام والفنون، مما أدى إلى اختفاء أي نقد علني. هذا يشبه إلى حد ما ما يحدث مع حماس، حيث يتم شرعنة وجود التنظيم سياسيا وإعلاميا، رغم الصراعات الداخلية وما خلقته من أزمات إنسانية في القطاع.
ليست المواجهة العسكرية وحدها ما يحسم الصراع، بل كذلك الحرب المعرفية. مراكز الدراسات واستطلاعات الرأي ووسائل الإعلام التي يتم استخدامها لتبرير بقاء تنظيمات معينة أو دعم مشروع سياسي محدد باسم المقاومة. من هنا، يصبح من الضروري التحليل النقدي لكل ما يقدم، وعدم الانخداع بالرسائل المباشرة عبر وسائل التواصل أو الإعلام، فكلها أدوات لتوجيه الرأي العام وشرعنة استمرارية بعض القوى على حساب الآخرين.
32 Total Count
