سجل في القائمة البريدية

Edit Template

“اللي باقي منك” لشيرين دعيبس: ملحمة الأجيال الفلسطينية من يافا إلى المخيم ثم كندا

تغريد سعادة

يعد فيلم “اللي باقي منك” للمخرجة الفلسطينية الامريكية شيرين دعيبس عمل فني استثنائي يستعيد ذاكرة النكبة وما تلاها من تهجير ونضال ومعاناة للشعب الفلسطيني، عبر حكاية تمتد لثلاثة أجيال من عائلة فلسطينية مثقفة ومناضلة.

الفيلم، الذي يمتد على مدى ساعتين وخمس وعشرين دقيقة، يروي رحلة الفلسطينيين من يافا إلى مخيمات اللجوء في نابلس ثم إلى الشتات في كندا، في سرد بصري إنساني وعميق، يتجاوز الحكاية الفردية ليصوغ ذاكرة وطنية فلسطينية حية.

تجسد دعيبس في أولى تجاربها التمثيلية شخصية حنان، ابنة المخيم والأم الصابرة، التي تواصل مسيرة النضال بعد استشهاد ابنها نور (محمد عبد الرحمن)، الشاب المتمرد والذي سقط برصاص الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى عام 1988. وهو نفسه الطفل الذي شاهد والده سليم (صالح بكري) والذي تعرض للإذلال على أيدي القوات الإسرائيلية قرب المخيم وتشكل نقطة فاصلة في حياته، و في مشهد يلخص القهر اليومي الذي يعيشه الفلسطينيون على يد قوات الاحتلال.

أما الجد شريف (يجسده آدم بكري في شبابه ومحمد بكري في شيخوخته) – وكلا الممثلين ابدعا في تجسيد ادوارهما – فقد اضطر عام 1948 إلى ترك منزله وبستان البرتقال في يافا الذي ورثه عن اجداده، لحظة إعلان قيام اسرائيل، لتبدأ رحلة صعبة تربط بين الأجيال الثلاثة. الجد الذي يحمل الكثير من الماضي، والحفيد الذي يلتحم مع جده في الكثير من المشاهد ليظهر دور الجد في نقل الرواية الفلسطينية، و سليم الاب والابن معا الذي يحاول مواءمة الأحداث، فيرفض أن يلعب ابنه بالمسدس البلاستيكي في إشارة واضحة إلى الارتباك والخطر.

يتنقل الفيلم بين أربع محطات زمنية، النكبة عام 1948، ثم 1978، فانتفاضة 1988، وأخيرا عام 2022، حيث تتحدث حنان عن مأساتها في مكان لجوئها الاخير كندا، لتغدو الذاكرة الفلسطينية ممتدة عبر المكان والزمان، وأن اللجوء لا يلغي الانتماء الى الوطن، فلسطين.

اتقن العمل المزج بين الحنين والوجع والأمل، ويبرز صورة المرأة الفلسطينية كرمز للصمود والحياة. فهي ابنة المخيم التي صبرت وربت أبناءها واعتنت بوالد زوجها المسن، كما اعتنت بالزرعات الصغيرة داخل البيت، كفعل يومي فلسطيني يعكس استمرار الحياة وسط التحديات.

ويبلغ الفيلم ذروته في مشهد التبرع بالأعضاء، حين تختار الأم – حنان- أن تمنح حياة جديدة لمن تسبب بموت ابنها، انه العدو نفسه الذي يحتل أرضها. هذه المفارقة القاسية تحول الفعل الإنساني إلى سؤال وجودي مر و صعب، هل يمكن للحياة أن تمنح لمن سرق منا الحياة؟

في لحظة صامتة، تتجاوز الأم حدود الثأر، لا لتسامح، بل لتقول إن الفلسطيني رغم كل ما سلب منه، ما زال يملك ما يعطيه وتتحدى اللغط لاجتماعي حول موقفها التي اصرت عليه. جسد ابنها يصبح جسرا بين الضحية والجلاد، بين الموت والضمير، بين الأرض التي نهبت والإنسان الذي يصر على أن يبقى إنسانا. هنا يطرح الفيلم تأمل فلسفي عميق. وهو أن المقاومة ليست فقط بالسلاح، بل أيضا بالقدرة على البقاء إنسانا في وجه من فقد إنسانيته. انه اعلى درجات التفوق الانساني.

وفي مشهد مؤثر لاحق، يجمع حنان بعد سنوات مع أحد الشبان اليهود الذي حصل على أحد أعضاء ابنها، ويؤكد أنه رفض الالتحاق بالجيش الإسرائيلي. هذه اللقطة تحمل دلالات عميقة حول تأثير ما فعلته الأم على الشاب اليهودي، الذي كان من المفترض أن يلتحق بجيش الاحتلال ويشارك في قتل الفلسطينيين، لكنها، من خلال تضحيتها، زرعت في قلبه إنسانية ورفض العنف.

من الناحية التقنية، يقدم مدير التصوير كريستوفر عون لغة بصرية شاعرية توازن بين الواقعية والحنين، في الكثير من المشاهد برزت ابداعاته واتقانه. اما السيناريو فقد كتبته شيرين دعيبس بعناية فائقة ووعي سياسي وإنساني عميق. الفيلم تجربة مؤثرة للغاية وكأن شيرين دعيبس تعيد كتابة القصة الفلسطينية من جديد، بكل تفاصيلها ومعاناتها وصمودها. المشاهد لم تكن مجرد سرد تاريخي، بل إحساس حي بالوجع والحنين والفقد. هذا العمق يجعل من الفيلم ليس مجرد عمل سينمائي، بل وثيقة وطنية وإنسانية فلسطينية تستحق المشاهدة والتقدير.

وقد انضم إلى فريق العمل كمنتجين منفذين، الممثلين الشهيرين الداعمين للحق الفلسطيني خافيير بارديم ومارك روفالو، مما يعكس الدعم الدولي للفيلم ويؤكد مستوى الإنتاج العالي، ويسلط الضوء على الاهتمام العالمي بالقصة الفلسطينية وحكاية الصمود التي يرويها الفيلم. حضور أسماء بهذا الوزن يعطي الفيلم دفعة إضافية نحو الشهرة الدولية وفرص التقدير في المهرجانات الكبرى.

ورغم الهجوم الذي تعرض له الفيلم من بعض الأصوات اليهودية، إلا أنه في الحقيقة عمل مكتمل العناصر، فلسطيني الهوية والعاطفة والوعي، وربما يكون طريقه إلى الأوسكار – مرشح الاردن – مستحقا عن جدارة.

Post Views44 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!