تغريد سعادة
تحولت أزمة فرقة الهيب هوب الإيرلندية “نيكاب” مع النائب الكندي فينس غاسبارو إلى واحدة من أبرز قضايا الجدل الثقافي والسياسي بين كندا وبريطانيا في الاونة الأخيرة، بعدما اتسعت من خلاف حول دخول البلاد إلى قضية تشهير يخوضها فنانون ضد مسؤول حكومي كندي منتخب.
القضية، التي بدأت بإعلان مقتضب على وسائل التواصل الاجتماعي، سرعان ما تحولت إلى نقاش واسع حول الرقابة السياسية، حرية التعبير الفنية، وتسييس المسائل الأمنية في كندا.
في سبتمبر الماضي، نشر النائب الليبرالي الكندي فينس غاسبارو مقطع فيديو قال فيه إن فرقة “نيكاب” منعت من دخول كندا بسبب تمجيدها “منظمات إرهابية” في أعمالها الغنائية، مضيفا أنه يتحدث “نيابة عن حكومة كندا”. وسرعان ما انتشر الفيديو وأثار جدلا كبيرا، خصوصا أن الفرقة كانت تستعد لإحياء حفلات في عدة مدن كندية منها تورونتو وفانكوفر، وقد بيعت بطاقاتها بالكامل.
وما إن انتشر تصريح النائب، حتى أعلنت الفرقة إلغاء حفلاتها، ما اعتبره البعض تأكيدا للرواية الرسمية. غير أن تقارير لاحقة فتحت الباب أمام تساؤلات جديدة، بعدما تبين أن ما أعلنه غاسبارو لم يكن دقيقا.
و نشرت وسائل إعلام كندية تقارير تؤكد أن وكالة خدمات الحدود الكندية (CBSA) ووزارة الهجرة (IRCC) ومكتب رئيس الوزراء لم يكونوا على علم مسبق بتصريح النائب. المصادر الحكومية أوضحت أن ما حدث فعليا هو إلغاء تصريح سفر إلكتروني (eTA) لعضو واحد من الفرقة لأسباب تقنية أو إجرائية، بينما كانت طلبات العضوين الآخرين قيد المراجعة العادية.
أي أن الفرقة لم تمنع من دخول كندا كما ذكر غاسبارو، ولا صدر قرار رسمي بهذا المعنى، بل كان الأمر في نطاق الإجراءات الروتينية التي يواجهها مئات المسافرين أسبوعيا.
هذه المعلومات قلبت المشهد، إذ بدت تصريحات النائب وكأنها تضخيم سياسي لقضية إدارية بسيطة، أو محاولة لتسجيل موقف سياسي عبر استخدام ملف فني.
سرعان ما ردت الفرقة الأيرلندية “نيكاب” عن بدء إجراءات قانونية ضد غاسبارو بتهمة التشهير والإضرار بسمعتها الفنية على مستوى دولي. وأكدت أن تصريحات النائب “غير صحيحة، مضللة، وألحقت بنا ضررا مباشرا”.
سارعت شركة المحاماة الأيرلندية المتخصصة في حقوق الإنسان Phoenix Law إلى تبني القضية، حيث وصف محامي الفرقة دارا ماكين تصريحات غاسبارو بأنها “خطيرة وغير دقيقة”، مؤكدا أن الفرقة لم تتلق أي إخطار حكومي رسمي بمنع دخولها، وأن الإجراءات المتعلقة بالسفر كانت “إدارية وليست عقابية”.
الفرقة أعلنت أيضا أنها ستتبرع بأي تعويضات قد تحصل عليها لصالح أطفال غزة، وهو ما زاد من الاهتمام الإعلامي البريطاني والكندي بالقضية، خاصة في ظل المناخ السياسي الحساس المرتبط بالموضوع الفلسطيني.
وفرقة “نيكاب” معروفة في المملكة المتحدة وإيرلندا بمواقفها المؤيدة لفلسطين، وانتقادها العلني لإسرائيل وسياساتها، إضافة إلى تناولها الصريح لقضايا الهوية والسياسة في أيرلندا الشمالية.
هذه المواقف جعلتها دائما محط انتقاد من بعض الجهات اليمينية أو المؤيدة لإسرائيل، خصوصا في كندا حيث شهدت الساحة السياسية في 2024–2025 توترا متصاعدا حول الخطاب المتعلق بفلسطين.
لذلك يرى محللون أن خطوة غاسبارو لم تكن معزولة، بل جاءت في إطار الاستقطاب السياسي ومحاولة بعض الفاعلين تسجيل مواقف “ضد التطرف”، حتى إن لم يكن هناك أساس قانوني لها.
تابعت الصحف الكندية الكبرى تطورات القضية، مركزة على التناقض بين تصريحات النائب والتوضيحات الحكومية اللاحقة. التحقيقات الصحفية أثبتت أن تصريحات غاسبارو لم تستند إلى بيان رسمي من أي جهة فيدرالية، وأنها أدت إلى إلغاء العروض دون وجود قرار حقيقي بالمنع.
أما الصحافة البريطانية فقد تناولت القضية من زاوية حرية التعبير، معتبرة أن ما حدث يعكس محاولة لإسكات فنانين بسبب مواقفهم السياسية. و ركز الاعلام على “الآثار المدمرة” لإلغاء جولة موسيقية دولية بسبب معلومة غير دقيقة.
القضية لم تبق في إطار الجدل الإعلامي فقط. فقد أثار برلمانيون كنديون أسئلة حول أسباب إعلان النائب معلومات غير دقيقة، وحول ما إذا استغل منصبه لتمرير خطاب سياسي عبر ملف لا يخصه إداريا. بعض المعلقين اعتبر الواقعة مثالا واضحا على تسييس الثقافة والفن في كندا، بينما دافع مؤيدو غاسبارو عنه معتبرين أنه “حذر من مخاطر الأمن القومي”.
