تغريد سعادة
حين نبحث في مفهوم العمل الثوري، فإننا لا نتحدث عن شعارات أو انفعالات عابرة، بل عن حركة اجتماعية منظمة تسعى إلى إحداث تغيير. يقوم هذا العمل على عناصر أساسية، نظرية واضحة تحدد الرؤية والهدف، تنظيم فعال قائم على بنية صلبة من المناضلين، وممارسة ميدانية تتجلى في التوعية، والتنظيم الشعبي، والاحتجاج. والأهم بناء جسر حقيقي بين الطليعة الثورية والجماهير لتحقيق أهداف مشتركة. وحتى قادة العمل الجماهيري عليهم ان يتمتعوا بخصال خاصة اهمها الاستقامة والصدق والدقة.
غير أن عالم وسائل التواصل الاجتماعي خلق واقعا مغايرا؛ نجوما في الهواء، وخطابا ثوريا ينتج من خلف شاشات الكمبيوتر، دون جهد يذكر على الأرض. صحيح أن هذا الفضاء يؤثر في الوعي والفكر، لكنه نادرا ما يترجم إلى فعل حقيقي. هنا تتجلى فجوة خطيرة بين الشعارات التي تردد والواقع الميداني وتأثيره الفعلي.
كفلسطيني او فلسطينية ، لا يكفي أن أمارس نقدا لاذعا للسلطة وأتهمها بالتقصير، بل يقع علي واجب مواز. في ملف الاستيطان، مثلا، لا يكفي رفع الصوت وكيف ان اوسلو تسبب في تمدد الاستيطان، علما انه فعل احتلالي كامل ولا يحتاج لاتفاق لكي يبرر فعله، بل يفترض تشكيل مجموعات دفاعية لحماية الأراضي التي تتعرض لهجمات المستوطنين. الاعتقاد السائد بأن قول الكلمة والمضي قدما هو جوهر الفعل الجماهيري، هو تبسيط مخل لمفهوم العمل الجماعي.
في الضفة الغربية، ترتفع أصوات تناصر حماس وتهاجم السلطة الفلسطينية بلغة حادة، وتستدعى باستمرار تهم الفساد. ورغم أن هناك ممارسات لا يمكن تبريرها أو التغاضي عنها، مثل بعض التعيينات والمحسوبيات، إلا أن تجاهل ما تقدمه السلطة من خدمات أساسية هو أيضا قراءة ناقصة للواقع. فالمقارنة مع جحيم الحياة في غزة تكشف هشاشة الفكرة القائلة إن الحياة تحت الاحتلال يمكن أن تكون طبيعية أو شبيهة بما قبل أوسلو. تجربة غزة حتى الان لا تشكل درسا، ولا نناقش موضوع فعل المقاومة وتأثيره، بل بسطوة احتلال لا يكترث بالشرعية الدولية وقوانينها.
الأهم من ذلك هو الدقة في المعلومة عند نقد السلطة. لا أحد مطالب بالدفاع عنها إن ثبتت الوقائع، لكن ما نشهده هو تراشق بالشائعات التي تتحول، بفعل التكرار إلى حقائق. حين تصدر تصريحات غير دقيقة حتى عن مثقفين. وحين يتم تصويب الشائعة تتهم انك مدافع عن السلطة وليس عن الحقيقة!!!
وهنا لا بد من الوقوف أمام الذات وطرح سؤال جوهري: ماذا نقدم لفلسطين؟ إن الاستسهال في مهاجمة السلطة دون القيام بالواجبات الوطنية، خصوصا في الضفة الغربية، يفرغ النقد من مضمونه. النقد الحقيقي هو الذي يقترن بالفعل، ويستند إلى معلومات دقيقة، ويهدف إلى التغيير لا إلى التفريغ الغاضب. أما الغرق في انتقادات غير دقيقة، وحالة الهيجان القائمة على الشائعات، فلن تقود إلا إلى طريق مسدود، حيث يصرخ الجميع ولا تطرح حلول، ولا يبقى حتى أمل.
