تغريد سعادة
في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بقطاع غزة والحرب المستمرة عليها من قبل الاحتلال الاسرائيلي منذ 19 شهرا، تواجه حركة “حماس” لحظة مفصلية في تاريخها السياسي والعسكري، وسط تغيرات إقليمية ودولية تسعى إلى إعادة رسم خريطة الحكم الفلسطيني، بدءًا من القطاع. فبعد أكثر من خمسة عشر عامًا من السيطرة على غزة، تتزايد التساؤلات: هل ما زال لحماس مستقبل في غزة؟ وهل يمكنها الاستمرار في الحكم أم أن الإقصاء بات قدرها المحتوم؟
ضغوط دولية وإقليمية لإقصاء حماس
منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، اشتدّ الضغط الغربي – لا سيما من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – لإبعاد حماس عن المشهد السياسي. وتدعم هذه القوى رؤية تقوم على إعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع كخطوة أولى نحو “حل الدولتين”، مع تقديم وعود بإعادة الإعمار وتدفق المساعدات مقابل “غزة بلا حماس”.
في هذا السياق، تظهر محاولات واضحة لإيجاد آلية حكم انتقالية في غزة، تشرف عليها السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع أطراف إقليمية، أبرزها مصر والسعودية وقطر. وقد طُرحت في الكواليس مقترحات لإنشاء قوة أمنية عربية أو فلسطينية مشتركة تتولى إدارة الأمن في غزة بعد نزع سلاح الفصائل.
التمويل… ورقة ضغط حاسمة
مع الحرب و الحصار المستمر، تواجه حماس أزمة تمويل خانقة. فالدعم الإيراني تراجع بفعل الضغوط الإقليمية، فيما تسعى دول مثل قطر وتركيا للحفاظ على خط اتصال مع الحركة ولكن بشروط. كما أن الدول المانحة تشترط أن لا تذهب أموال الإعمار لحكومة تسيطر عليها “منظمة مصنفة إرهابية”، وهو ما يشكل أداة ضغط فعّالة لإحداث تغيير في بنية الحكم بغزة.
احتجاجات شعبية
في تطور لافت وغير مسبوق، شهد قطاع غزة خلال الفترة الأخيرة موجة من المظاهرات الشعبية، شارك فيها المئات من الفلسطينيين من مختلف الفئات العمرية، احتجاجًا على الاوضاع التي يشهدها القطاع بسبب الحرب، محملين حركة حماس المسؤولية، ورُفعت في هذه المظاهرات شعارات مباشرة تطالب “حماس” بالرحيل.
هذه الاحتجاجات، تُعدّ مؤشرًا واضحًا على تآكل القاعدة الشعبية لحماس داخل غزة، وظهور شرخ بين الحركة وفئات واسعة من الشعب قي غزة.
سيناريوهات المستقبل
أمام حماس أربعة سيناريوهات رئيسية:
الاستمرار بالحكم: ربما تواصل حكم القطاع، ولكن بثمن باهظ داخليا وإقليميا.
الإقصاء التدريجي: عبر ترتيب دولي-عربي يعيد السلطة الفلسطينية للواجهة، على أن يتم التعامل مع العناصر المتشددة أمنيًا وتقييد حركتها.
الاندماج السياسي: بالقبول بدور سياسي في إطار مصالحة فلسطينية شاملة، مع التنازل عن السيطرة الأمنية.
الانهيار أو الانفجار: إذا تفاقمت الضغوط وفشلت الحلول، قد تنهار المنظومة القائمة، وتظهر جماعات أكثر تطرفًا، ما ينذر بعنف داخلي غير مسبوق.
مصير حماس في غزة بات رهينة مزيج معقد من الاعتبارات: إرادة شعبية محلية، حسابات إقليمية، ومواقف دولية متشددة. وبين من يرى أن الحركة تمثل مقاومة شرعية، ومن يعتبرها عائقًا أمام التسوية، يبقى مصير غزة معلقًا في ميزان السياسة، ينتظر انفراجة قد تأتي عبر “مؤتمر نيويورك” المقبل، أو عبر توافق إقليمي برعاية مصرية–سعودية–تركية.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل تُقدِم حماس على مراجعة شاملة لموقعها ودورها؟ أم أنها ستخوض معركتها حتى الاخير والى المجهول؟
