سجل في القائمة البريدية

Edit Template

ضجيج وسائل التواصل وصمت المثقف

تغريد سعادة

خلال معاناة شعبنا الفلسطيني في غزة وعلى مدار 18 شهرا، أو خلال اغتيال في جنين، أو اجتياح في نابلس، يطرح السؤال ذاته بإلحاح: أين المثقفون؟ لماذا يصمتون؟

وفي زمن وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك و منصة “اكس”، تطلق الأحكام على عجل، من لم يكتب منشورا، أو لم يشارك في “هاشتاغ”، يتهم بالتخاذل، وأحيانا بالخيانة. وكأن الوطنية أصبحت تقاس بعدد المشاركات، ودرجة الانفعال العاطفي.

لا يمكن إنكار دور وسائل التواصل الاجتماعي في فضح الجرائم الإسرائيلية، وتوثيق لحظات الوجع الفلسطيني لحظة بلحظة. لكنها ليست ولن تكون، المعيار الوحيد أو الأصدق للانتماء.

من جهة أخرى، هناك من يصمت الآن، ليكتب لاحقا قصيدة او يعمل على رواية او فيلم أو لوحة؛ عمل يحتاج سنوات من الحفر في الوجدان، ليبني ذاكرة، وينتج وعيا، ويرسخ فلسطين في العمق لا في السطح.

المثقف الحقيقي، كما صوره إدوارد سعيد، هو من “يعقد السائد، يربك المعتاد، ويقترح ما ليس مطروحا”. المثقف ليس من يردد الشعارات، بل من يزعج الخطاب المعلب، حتى لو بدا صامتا وسط ضجيج اللحظة. قد لا يكتب فيسبوكيا، لكنه يراكم مشروع معرفي أو أدبي أو فني، هو الأبقى أثرا والأعمق تأثيرا.

لم يكن محمود درويش يكتب كل يوم، ولا في كل عدوان. لم يكن ناشطا سياسيا بالمعنى المباشر، ولا صاحب ردود فعل لحظية. لكنه، دون شك، كان الأوضح حضورا والأرسخ أثرا.

الصمت لا يعني الخيانة، كما أن الضجيج لا يعني الصدق. من حقنا أن نحاسب المثقف، لكن ليس على غيابه المؤقت عن “السوشال ميديا”، بل على ما ينتجه على المدى الطويل. من يحب فلسطين حقا، يحبها في قصيدته وفي فيلمه وفي كتابه، كما في صوته الغاضب إذا أراد. فلسطين لا تحتاج فقط من يصرخ الآن، بل من ينتج معنى للمستقبل. نحتاج المنشور الصادق، لكن نحتاج قبله القصيدة والرواية واللوحة والفن الذي يقاوم الزوال.

وهذه دعوة نعيد فيها تعريف المثقف خارج معيار “اللايك” و”الريتويت”. دعونا نطالب بالإنتاج لا بالانفعال. فالثورات لا تبنيها الأصوات المرتفعة فقط، بل تبنيها العقول التي تفكر، والضمائر التي لا تتواطأ.

Post Views18 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!