سجل في القائمة البريدية

Edit Template

اعتزلت الحياة إلا من غزة

تغريد سعادة

الناس في غزة تموت بالآلاف، والوجوه تختفي تحت صرخات الألم والجوع والعطش، وفقدان المأوى والأمان. البسمة صارت ذكرى بعيدة، واختفى كل معنى للحياة كما عرفته غزة، وكما عرفته انا. وكأن الحياة نفسها صارت جسدا بلا روح، مجرد روتين ثقيل، لا مكان فيه للراحة، ولا فرصة للشعور بالأمان.

أنا لا أعيش في غزة، لكن غزة تعيش في. أراها في كل حي، في كل شارع امشي فيه، حتى عند البحر الذي تجمعني به صداقة تاريخية ومنذ الصغر. وحينما اريد ان اخذ نفسا عميقا، أشم رائحة الخراب والبارود، وأرى وجوه الموت والقنابل والهدم. تتصاعد أمامي صور الجثث بين الأنقاض، وصدمة الأطفال الذين فقدوا كل شيء، وصدى صرخات الأحياء تحت الركام يلاحقني في كل مكان أذهب إليه. ألم غزة لا يريد ان يتركني.

اعتزلت كل شيء، حتى أصدقائي. معظمهم يلومني على مواقفي السياسية، لم أعد أرغب في الحديث معهم وتبرير موقفي، يعتقدون انني لا احب غزة، وهذه اكبر صدمة، وكل تعليق منهم أصبح ثقيلا علي. واصبح قلبي ممتلئ بالهموم التي لا أستطيع حملها. أعيش حالة من الصمت الثقيل، متشبته بغزة وحدها، حيث أجد معنى للوجود، حتى لو كان مؤلما.

في معظم الأوقات، أرتجف وأنا أكتب خبرا عن غزة، ودموعي تنهمر بلا توقف. أجلس وحيدة في مكتبي، مختبئة من الجميع، لكن أصوات الانفجارات تتردد في رأسي وكأنها حاضرة معي، ترافقني في كل حرف أكتبه. ليس بيدي. كلما تحدثت مع صديق أو صديقة في غزة لأتابع الأوضاع، أشعر بالتفاصيل رغما عني، وصوت الزنانة الذي اسمعه بالخلفية دائما يحاصرني انا ايضا بلا فكاك. شعور بالعجز يلتف حول قلبي، العجز عن تقديم المساعدة، أو حتى التعبير عن هذه المشكلات التي لا يمكنني حملها.

حياة الناس هناك مليئة بتفاصيل تثقل همومهم بجانب القتل وموت الأحبة ودمار البيوت والذكريات، وانكسار الآمال والأحلام. كل هذه المعاناة تتسلل إلي، أعيشها كما لو كنت جزءا منها، وأجد نفسي غارقة بين الألم من العجز وألمهم، بين الواقع المرير والوعي بأنني عاجزة عن تغييره.

ومع كل هذا الألم، انام بالصدفة وأستيقظ بعد ساعتين علي اكثر تقدير لأتابع أخبار غزة، كأنها عادة لا يمكنني التخلي عنها منذ قرابة العامين. كانني انام على الحصى في خيمة النزوح، اسمع فيه كل الضجيج الصادر من الخيم حولي. ثم يغلبني النوم فأنام ساعة او اكثر، او ما يكفي لاكمل يومي العملي .

غزة أصبحت كل حياتي، كل ما تبقى لي، ولاجلها أشعر أنني لا أزال على قيد الحياة.

Post Views68 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!